في زمن الذكاء الاصطناعي والشاشات.. لماذا تراجعت سعادة الشباب؟

في وقت يلهث فيه الجميع خلف السعادة، جاءت نتائج دراسة حديثة لتطرح مفارقة لافتة: الشباب بين 18 و29 عامًا، الفئة التي يُفترض أنها تعيش أزهى مراحل الحياة، يعانون من تراجع في مستويات السعادة والرفاهية مقارنة بالأجيال السابقة. هذا التراجع يحدث رغم التقدم التكنولوجي الهائل، وانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي التي يُفترض أنها تسهّل الحياة وتُقرب الإنسان من السعادة.
بيانات مفاجئة من أكثر من 20 دولة
الدراسة التي أجراها باحثون من جامعتي “هارفرد” و”بايلور”، وشملت أكثر من 200,000 مشارك من 20 دولة، كشفت أن نسبة كبيرة من الشباب حول العالم يعانون من مشكلات صحية جسدية ونفسية، وصعوبة في إيجاد معنى لحياتهم، إلى جانب تراجع في جودة علاقاتهم الاجتماعية.
وفيما كان يُتوقع أن تساهم البيئة الرقمية في تعزيز التفاعل والرضا، أشارت النتائج إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وتراجع ملحوظ في المشاركة الاجتماعية بين الشباب، ما يدل على أزمة عميقة تتجاوز توفر الأدوات إلى غياب المعنى والاتصال الحقيقي.
فجوة الجيل.. وسؤال الرفاهية
وفق تقرير “نيويورك تايمز”، فإن الفجوة في مستويات الازدهار بين فئات الشباب وكبار السن تتسع في دول مثل الولايات المتحدة، حيث سجّل الشباب معدلات أعلى من القلق والاكتئاب مقارنة بالمراهقين. أما في دول أخرى مثل بولندا وتنزانيا، فلوحظ تراجع الرفاهية مع تقدم العمر، بينما حافظت دول مثل اليابان وكينيا على نمط تقليدي حيث تتوزع السعادة بين مرحلتي الشباب والشيخوخة.
هذا التباين يطرح تساؤلات جوهرية حول السياسات الاجتماعية والتعليمية والصحية، ومدى مواكبتها للتحولات التي يعيشها الشباب اليوم.
العزلة الرقمية.. العدو الخفي للسعادة
أرجع الباحثون هذا التدهور في الرفاهية إلى عدة عوامل، أبرزها: العزلة الاجتماعية، والانغماس المفرط في الشاشات، والضغوط المجتمعية المرتفعة نحو الكمال. وعلّقت لوري سانتوس، أستاذة علم النفس في جامعة ييل، قائلة: “الدراسة تلو الأخرى تثبت أن الاتصال الاجتماعي ضروري للسعادة، لكن شباب اليوم يقضون وقتًا أقل مع أصدقائهم مقارنة بما كان عليه الحال قبل عشر سنوات”.
بدوره، تساءل الباحث الرئيسي في الدراسة تايلر فاندروايل: “هل نستثمر بما يكفي في رفاهية الشباب؟”، مشددًا على أهمية إحداث تغيير حقيقي في طريقة دعم هذه الفئة التي تُعد ركيزة المستقبل.
خلاصة: سعادة الشباب ليست تكنولوجيا بل توازن
ما تؤكده هذه الدراسة أن أدوات العصر الحديث، مهما بلغت من تطور، لا تستطيع وحدها أن تصنع الرفاهية النفسية أو السعادة العميقة. السعادة لا ترتبط بعدد المتابعين أو سرعة الاتصال، بل بجودة العلاقات، وإيجاد المعنى، والاتصال الحقيقي بالنفس والآخرين. والسؤال الآن: هل حان الوقت لإعادة النظر في أولوياتنا التربوية والاجتماعية تجاه الشباب؟