الكتب تُنهب بصمت… من يوقف الذكاء الاصطناعي؟

ليس غريباً أن يثير الذكاء الاصطناعي كل هذا الجدل، فهو لا يشبه أي تطور تقني مرّ على البشرية من قبل. الغريب فعلاً أن يتحول إلى لصّ أنيق، يقتحم مكتبات الفكر دون أن يُكسر باباً، وينهب نصوص الأدباء والعلماء دون أن يترك بصمة واحدة!
تسأل طالباً اليوم: من أين أتيت ببحثك؟ فيبتسم وهو يُمرر شاشة هاتفه: “ChatGPT كتبه لي!”، وكأن هذا الكائن العجيب يولّد المعرفة من فراغ، أو كأن الكتب التي عاش مؤلفوها أعمارهم بين الحبر والورق مجرد وجبات سريعة في مطبخ الذكاء الصناعي.
ما من فكرة يصوغها هذا الذكاء إلا ولها جذور ممتدة في نصوص قديمة وحديثة، في مؤلفات عريقة وأبحاث متعبة، في حكايات المدن وسير الأفراد… فهل يُعقل أن يتغذى هذا “الذكي” على مائدة الآخرين، ثم ينكر عليهم فضلهم؟
الخبر الصادم جاء من لندن، حينما خرج عشرات المؤلفين البريطانيين إلى الشارع، يهتفون في وجه شركة ميتا: “أنتم تسرقون كتبنا!”، والاتهام هذه المرة ليس بالهواء، بل بالمحتوى، بالمكتبات الإلكترونية التي صارت علفًا مجانيًا لتدريب الآلة على حساب تعب البشر.
القضية ليست قانونية فقط، بل أخلاقية أيضاً. لا أحد ضد التطور، ولا أحد يريد وقف عجلة الذكاء الاصطناعي، لكن لا أحد أيضًا يرضى بأن يُصبح الأدب والفكر والمعلومة مادة خام تُستنزف بلا إذن ولا تقدير.
الأدهى من ذلك، أن هذه التقنية – شيئاً فشيئاً – تعوّد مستخدميها على الكسل العقلي، تجعل الطالب ينسى كيف يبحث، وتوهم الكاتب بأنه عبقري لمجرد أنه أحسن طلب النص، لا كتابته.
في زمن الذكاء الاصطناعي، يبدو أن المعركة المقبلة لن تكون فقط على البيانات، بل على روح الإبداع نفسها. فهل ننتبه قبل أن نستيقظ وقد سُرقت ملامحنا الفكرية، كما تُسرق الآن كتبنا؟